الاثنين، 11 سبتمبر 2017

وقفة للتأمل واسرجاع التوازن

التأمل لاستعادة التوازن والاستمرار في العطاء

ما المشكل؟ :
الشعور بعدم الاستقرار النفسي و الإحساس بضغط يكبل حيوية طاقتي وإرادتي في الإنجاز والعمل الجدي الإبداعي، كما أحس بشبه تهديد واضطهاد نفسي يقلق راحتي الآنية وينذر بصعوبات ومشاكل مستقبلية.

أصل المشكل :
إن أصل المشكل يرجع بالأساس إلى التفكير في عواقب المسؤولية التي أتحملها في العمل كمحاسب عمومي معرض للمساءلة أمام المحاكم المالية، فبالرغم من الحرص على الاتصاف بالجدية والنزاهة في التعامل من جهة، وبالرغم كذلك من التمسك القوي بمقومات الفعالية والمصداقية في العمل من جهة ثانية، فإن الشعور بالارتياح بعد الإنجاز قد لا يعمر طويلاً، إذ سرعان ما تغشاه سحابة القلق وعدم الاطمئنان، بسب كون  مصير هذا العمل معلقاً إلى حين استلام قرار الإبراء أو الخضوع لمسطر المرافعات أمام المحاكم المالية. فيتحول الوضع من البراءة إلى الاتهام وينقلب الدور من عضو فعال في عملية البناء إلى ضحية تبحث عن طوق النجاة.

الحل :
أمام هذه الوضعية الحرجة التي تنغص علي وعلى أمثالي حالة الاطمئنان وتحطم ما اكتسبته من رغد العيش، وحتى أتمكن من التنعم براحة البال كمحطة لاستراحة الضمير وفرصة للتزود بالإرادة والعزيمة لاستكمال الأهداف والخطط المسطرة لأجل ذلك، يتعين علي عدم الاستسلام لخواطر الإحباط واليأس، وبالمقابل، علي التحلي بالمشاعر الإيجابية وتغليب مساحة الأفكار التفاؤلية في الحياة، خاصة وأن كل المسؤوليات الإدارية محفوفة بالمخاطر ومع ذلك، فالكل ينشط في ميدانه ويتكيف مع طبيعة ظروف عمله ومخاطر مسؤولياته.
والحل الذي يخلصني من مخالب هذا الأخطبوط النفسي هو الترفيه عن هذه النفس، وتقوية الجانب المعنوي فيها وذلك بممارسة كل أشكال التصرفات والطقوس والعبادات.
والحل كذلك، يكمن في وسيلة الخروج من حالات السكون والانطواء والاستسلام إلى حالات الحماس والحركية ورفع التحدي، مستعيناً ببعض وسائل الإغاثة ومنها : 
-         تمرين التنفس العميق لتزويد الدماغ بالأكسجين ( مع ذكر لا إله إلا الله مثلاً)، 
-         تغيير المكان وظروف العيش : كالخروج من المكتب إلى الحديقة، لتنفس الهواء النقي ومشاهدة النبات والأشجار والزهور والطيور، والسفر لاستكشاف الأماكن الجديدة والمناظر الطبيعية...

-         تناول المنبهات الخفيفة كالشاي أو القهوة وغيرها، 
-         التحدث مع أعز الأصدقاء،  مباشرة  أو عبر الهاتف، 
-         الاعتناء بالهندام بارتداء ثياب جميلة أو أخذ عطور مفضلة أو مشاهدة عمل فني جميل يساعد على استحضار مشاعر الفرح والسرور والبهجة التي من شأنها أن تغير لدي النظرة للحياة، فأرى الكون جميلاً وأتلذذ بطعم العيش وأهنأ بسكينة الحياة.
إن الله جميل يحب الجمال وأودع مكونات الجمال في كل مخلوقاته، وما علينا سوى التزود بالبصيرة لمعاينتها والتمتع بفضيلتها، والحرص على عدم التركيز بالمكونات الغير الجميلة ولتقتصر معرفتها في حدود معاينتها قصد تجنب مساوئها وتفادي الوقوع في حبال مكائدها لا غير.     

الأمثلة الناجحة :

   إن المبدعين المرموقين الناجحين في أعمالهم ما كانوا ليحققوا إنجازاتهم لولا قدراتهم في التكيف مع الأوضاع و في قوة طاقاتهم في التغلب على معوقاتهم البدنية والنفسية، فمنهم الضرير والمقعد والمصاب  بمرض مزمن ومنهم الخائف الوجل والمرتاب المتوجس. إنها مثبطات ومعوقات طبيعية ولصيقة بكل هدف يتعين العمل على تخطيها بنجاح حتى تتسنى الفرص لتفريخ المبادرات الخلاقة وبعد الإنجاز فإن لكل مقال مقام.
وبالله التوفيق.

نسكي الحلق والتقصير

 الخرجة بالحلق والتقصير:
الحلق: هو التعبد بحلق كل شعر الرأس في نسك.
و التقصير: هو أخذ شيء من الشعر بنفس الهدف.
.حكمة مشروعية الحلق أو التقصير
شرع الله عز وجل الحلق أو التقصير بعد اكتمال أعمال العمرة؛ ليتحلل به المحرم من إحرامه، ويحل له ما كان محظوراً عليه من قبل إحرامه.
وشرعه الله بعد غالب أعمال الحج؛ ليتحلل به المحرم من إحرامه بالحج، وإنما عجل به قبل الانتهاء من أعمال الحج خشية الوقوع في محظورات الإحرام إذا طال به أمد المنع، وفيه إشعار بتسليم الرقاب لرب العباد بعد الفوز بمتعة ممارسة المناسك.

- آيات بينان حول الموضوع:
الحلق أو التقصير من واجبات الحج والعمرة.
قال الله تعالى: " وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّه" (البقرة:196).

وقال الله تعالى: " لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا " الفتح:27.

- أحاديث نبوية:

 عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم " اللَّهمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ " . قَالُوا: يَا رَسُولَ الله ! وَلِلْمُقَصِّرِينَ ؟ قال: " اللَّهمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ " قَالُوا: يَا رَسُولَ الله ! وَلِلْمُقَصِّرِينَ ؟ قال: " اللَّهمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ " . قَالُوا: يَا رَسُولَ الله ! وَلِلْمُقَصِّرِينَ ؟ قال: " وَلِلْمُقَصِّرِينَ ".  متفق عليه.
وعن ابن عمر أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال:
(رحم الله المحلقين. قالوا: والمقصرين يا رسول الله. قال: رحم الله المحلقين. قالوا: والمقصرين يا رسول الله. قال: رحم الله المحلقين. قالوا: والمقصرين يا رسول الله. قال: والمقصرين).

وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: " حَلَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَطَائِفَةٌ مِنْ أصْحَابِهِ، وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ ". متفق عليه.

- كيفية الحلق :
يجب حلق الشعر أو تقصيره قدر الأنملة (2 سم) ويستحب الحلق بشكل كامل ويبدأ بالجانب الأيمن.
والمرأة تقصر فقط قدر الأنملة من طرف ظفيرتيها.
 ويسقط حلق الرأس وتقصيره عن الأقرع ومن لا شعر له.
ويقال بعد الحلق " اللهم كما أنزلت شعري، أنزل عني خطيئتي كلها، وأعني على ألا أرجع إليها".

- أقوال العلماء في الحلق و التقصير:
إبن باز: سئل أيهما أفضل الحلق أو التقصير بعد أداء النسك في العمرة أو الحج ؟ وهل يجزئ تقصير بعض الرأس؟ أجاب: الأفضل الحلق في العمرة والحج جميعًا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين ثلاثًا بالمغفرة والرحمة، وللمقصرين واحدة، فالأفضل الحلق، لكن إذا كانت العمرة قرب الحج فالأفضل فيها التقصير حتى يتوفر الحلق في الحج؛ لأن الحج أكمل من العمرة فيكون الأكمل للأكمل. أما إن كانت العمرة بعيدة عن الحج مثلاً في شوال يمكن لشعر الرأس أن يطول فإنه يحلق حتى يحوز فضل الحلق.

- فائدة الحلق:
 وليعلم الحاج والمعتمر أن الشعر هو بضاعة مخلوفة، وعند حلق الشعر، فبكل شعرة تأخذ حسنة وتذهب عنك سيئة وترتفع بها درجة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ليس من شعرك شعرة تقع على الأرض إلا كانت لك نوراً يوم القيامة".

كفارة الحلق في الحج:
قال تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْىُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (البقرة:196).
قال الحافظ ابن كثير: "وعامة العلماء أنه يخير في هذا المقام، إن شاء صام، وإن شاء تصدق بفَرْقٍ، وهو ثلاثة آصع، لكل مسكين صاع، وهو مُدّان، وإن شاء ذبح شاة وتصدق بها على الفقراء".
- آيات وعبر من عمليتي الحلق والتقصير:
مزية التجرد :
 إن حلق شعر الرأس مثله كمثل الإحرام، هو مظهر من مظاهر التجرد والانسلاخ مما قد يميز الشخص من خصوصيات تجعله فريداً من نوعه وغير منصهر مع غيره. وخلال مناسك الحج، يتعين أن تنتفي هذه الخصوصيات لتفسح المجال لجو من التلاحم والتواصل والتراحم. ومتى توفرت الرحمة بين بني البشر في الأرض، استحقوا الرحمة الإلهية من السماء.

مظاهر التجرد :
 والشعر بألوانه المختلفة، وأشكال تسريحه وتصفيفه، يكثف من فرص التميز، وتأتي عملية الحلق خاصة كمبادرة قوية لإزالة تأثير هذه المظاهر إن على الصورة الخارجية أو  على مستوى القناعة الداخلية للحاج والمعتمر.

أنواع الحلق في غير النسك :
يتخذ الحلق كممارسة إجبارية عند الجنود ورجال الأمن، وذلك لتجريدهم مما ألفوه من شعر ولباس يوم كانوا مدنيين وأحراًر في الاختيار.
كما نجد الحلق كممارسة إجبارية وكعقوبة في حالة السجناء، وهذا يؤسس كذلك لعملية التجريد مما ألفه المدانون يوم كانوا أحراراً طلقاء.
ولا ترفع حالة الحلق إلا بعد الخروج من حالتي الإطار المنظم لها.
ومن العادات المرسخة في التعامل مع المولود الجديد، أن يحلق شعره يوم العقيقة أو بعد بلوغ الأربعين يوماً من عمره، ويتصدق بوزن الشعر ذهباً. وفي حالة الحاج فإن الحلق يأتي بعد الولادة الثانية، والشعر هنا يسقط في الأرض، لكن الأمر يختلف بمصيره في الآخرة، إذ تأتي الشعيرات في صورة نجوم بيضاء منيرة لصاحبها. ولاشك أن الإضاءة تزداد بازدياد الكثافة والطول والعدد.
   
أهمية الحلق: 
تظهر أهمية الحلق بعيد علمية إزالة الشعر، إذ ينسجم صفاء الرأس مع صفاء النفوس المكتسب من الوقوف بعرفة. كما يكتسي المظهر الخارجي صورة مغايرة للصورة والهيئة القديمة التي كان عليها الحاج أثناء الوصول إلى مكة المكرمة. فتظهر البهجة والسرور على محيا الحجاج، خاصة بعد التحلل الأصغر، إذ يسمح للحاج الاغتسال والتطيب ولبس الجديد والمختار من اللباس.
وآيات الحلق تستمر مع مرور الأيام، سواء تعلق الأمر بالمكوث بمكة والمدينة أو بعد العودة إلى الديار الأصلية. فهناك من لا يعير اهتماماً لهذه الآيات ويحاول طمس معالمها بمختلف أنواع الغطاء كالطاقية والعمامة وغيرهما، وهناك من يتحرج في إبداء زينتها والتمتع بشرف مظهرها. وعلى سبيل المثال، فإن من شأن ترك الرأس على حالته الطبيعية بعد الحلق أن يجذب إليه من يقبله شوقاً ومحبة وتبركاً منه ومما سجد عليه من أمكنة طاهرة ومقدسة. ويصدر مثل هذا التصرف وبصورة تلقائية، ممن سبق لهم أن أدوا المناسك من قبل وعرفوا قيمة الحلق، كما ينجذب لتقبيل الرأس كل من لديه شوق وحنين إلى تلك المشاعر، لكنه حالت بينه وبينها ظروف القرعة أو شرط عدم الاستطاعة، فيجدها فرصة سانحة للتبرك بهذا الرأس الحليق طاعة لله وتلبية لأمر النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الموضوع، أسوة بالحجر الأسود (الأسعد) الذي نتبرك بلمسه أو بمجرد الإشارة إليه.        

فسحة التقصير:
إن الله سبحانه وتعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه. ويكفي شرفاً أن التقصير مذكور في القرآن الكريم وفي الأحاديث النبوية. فمن توفرت فيه ظروف التقصير فهنيئا له ولا تثريب عليه. إنما فضل بعض آيات الحلق، قد لا تظهر أثارها، ولا يتمتع بها المقصرون، وكل فيه خير.