الحياة الزوجية والتقاعد
إن الدخول في عالم التقاعد، قد لا يسبب أي انزعاج عند البعض، لكن الحياة اليومية للغالبية العظمى من المتقاعدين، قد لا تخلو من الصعاب والمشاكل، إن لم يتم الاستعداد والتحضير المسبق والمحكم.
فالمنزل وسط عائلي مخصص لجميع أفراد الأسرة، ولكن أيضاً هو مجال منظم بفترات زمنية ومكانية لفئة دون أخرى. فعند تناول الوجبات مثلاً، فالفضاء مستغل من طرف الجميع. لكن بعد تناول الفطور يغادر الزوج الوسط العائلي متوجهاً لميدان العمل لمدة ثماني ساعات في أيام العمل. وباستمرار العملية لمدة عقود، فإن هذا الاعتياد، يجعل من المنزل فضاءً رحباً للزوجة (إن كانت ربة بيت)، ترتبه كيف تشاء، ولا ينافسها إلا من يسمح له بذلك، كالأولاد بعد العودة من المدرسة أو الزوج بعد العودة من العمل.
ومع وضعية تقاعد الزوج، فإن هذا الأخير، يضطر للمكوث في المنزل بعد تناول الفطور. وهنا تبدأ المعاناة. فمن جهة، يجد الزوج نفسه في مكان غير معتاد التواجد فيه من قبل، فيبحث عما يشتغل به، كمشاهدة التلفاز وغير ذلك. ومن جهة ثانية، نجد الزوجة في ضائقة من أمرها بتواجد عنصر لم تألف حضوره المطول. والأمر قد يمر دون مشاكل في الأيام الأولى، وكأننا في عطلة آخر الأسبوع أو في العطلة السنوية. لكن بعد مرور شهور، فالصبر قد ينفذ، وتبدأ عملية تراكم المشاكل رغم صغر شأنها، وتنشب خلافات لأسباب تافهة. وإن لم يتم تدارك الأمر في حينه بالوعي بالوضعية، والبحث عن الحلول المناسبة، فإن الأمر يتعقد، وتتفاقم حدة عدم التفاهم إلى درجة محاولة البحث عن البدائل: البديل في المكان والزمان وحتى في الأشخاص.
فوضعك الجديد في المنزل بسبب التقاعد، شبيه بوضعك عند بداية الحياة المهنية. ونفس المشهد يتكرر. فهل تتصادم مع المنافسين لك ؟ أم تنسحب وتترك المجال للآخرين ؟ أم تتمسكن حتى تتأقلم، وتبسط وجهة نظرك تدريجياً ؟
وهنا يظهر جلياً أهمية التحضير للمرحلة، وأهمية استباق الأحداث، والتمكن من مجرياتها قبل أن تضطر إلى التكيف معها وتتصارع من أجل تدارك المواقف الصعبة.
والسؤال، كيف يتم التحضير ؟
- يتم نفسياً، وذلك بالتحدث حول الموضوع مع كل الفرقاء: زوجة، أولاد، أفراد العائلة، أصدقاء. ثم إشراك الجميع في الترتيبات اللازمة لحسن التحضير واستقبال المرحلة الجديدة.
- مادياً بتخصيص مكان محدد لك تركن إليه، وكأنك في العمل، وتكون فيه بعيداً عن المنزل، خاصة في وقت الشغل المنزلي، والتحضير لوجبة الغذاء. وما ينتج عن ذلك من إعادة ترتيب الأثاث، وانبعاث للروائح الأولية للطبخ، وما إلى ذالك مما لم تعتاده وتألفه من قبل.
- التحضير الذهني لما تستوجب الوضعية من تصرفات حسب الأوضاع بالمنزل أو خارجه.
- المرور بمرحلة انتقالية، تجعلك تتخلص من روابطك مع الحياة المهنية. وتستبق الأحداث والمواقف تحسباً لما يستقبل من حياة الفراغ والحرية. ويستحسن، الاستعانة بتجارب الأصدقاء الذين مروا بنفس المرحلة.
الأمثلة الواقعية لتصرفات بعض المتقاعدين:
* الحالة الأولى، (سنة قبل التقاعد): اتخاذ بيت بالسطح، يخلو فيه بنفسه بعد صلاة الفجر. فيقرأ القرآن ويتدبره ويحفظ ما تيسر منه. وتستمر العملية في حرية واستقلال، بعيداً عن إزعاج باقي أفراد الأسرة حتى طلوع الشمس. فيستأنف العمل بالمنزل مع باقي أفراد العائلة. وقد يعود إليه في أي وقت شاء من النهار أو الليل.
* الحالة الثانية، (على بعد ثلاث سنوات): تجهيز مكتب بالطابق السفلي من المنزل. ومع التقاعد، أصبح للمتقاعد ملجأ يخلو فيه بنفسه منشغلاً بالقراءة والدراسة، وممتعاً لأهله بترك المجال كما كان يفعل من قبل.
* الحالة الثالثة، (التحضير منذ السنوات الأولى من العمل المهني): فبسبب سوء تفاهم مع المسئولين، أحس الموظف بعدم الاستقرار في الحياة المهنية، فخطرت بباله فكرة البداية في تحضير ظروف الاستقلال المادي والمعيشي. وكانت النتيجة مع مرور الزمن، هي الحصول على مزرعة للفواكه بالأطلس المتوسط. والآن أصبح المكان، شغله الشاغل، وهوايته المفضلة، وفرصة للتواصل مع عالمي الفلاحة والتجارة.
* الحالة الرابعة: التحضير لمسكن للاستقرار بالمدينة، ومسكن آخر للاستراحة في البادية. فمكن ذلك من التناوب في الحياة بين مميزات ظروف العيش بالمدينة ومتعة الحياة بالبادية.
* الحالة الخامسة: تحويل مرآب السيارة إلى ورشة لممارسة هواية الرسم والصباغة.
* الحالة السادسة: اتخاذ زاوية محددة من مقهى مفضل، لممارسة هواية القراءة، والكتابة وغير ذلك.
* الحالة السابعة: تجهيز المنزل بغرفتين للنوم، اتفق الزوجان على الاحترام المتبادل بينهما، ووسعا من مساحة الفضاء المخصص للخلوة الشخصية المخصصة لكل منهما في الليل والنهار، نوماً، واسترخاءً، وتأملاً، وقراءة، أو تهجداً... كما مكن الوضع الجديد من تفادي الإزعاج المتبادل، خاصة إذا دخل عنصري "الشخير" و/أو "الذهاب المستمر للمرحاض ليلاً" في عادة أحد الزوجين أو لكلاهما.
* الحالة الثامنة: (الحالة الشخصية) وعلى بعد 10 سنوات من التقاعد، هيأت مسكناً للاستقرار بالمدينة المفضلة لدي وللزوجة والأولاد ولباقي أفراد العائلة. وإلى جانب ذلك، هيأت شقة مخصصة لمكتب ومكتبة، أركن إليه متى شئت، للخلوة، والاسترخاء والقراءة والبحث، ولمشاهدة وتسجيل الأشرطة.
والحالات المذكورة، هي قصد الاستئناس والعبرة، ولكل منا، الحرية في اختيار الأسلوب المناسب لأحواله الشخصية، والمادية والنفسية، والزوجية والعائلية.
إن الدخول في عالم التقاعد، قد لا يسبب أي انزعاج عند البعض، لكن الحياة اليومية للغالبية العظمى من المتقاعدين، قد لا تخلو من الصعاب والمشاكل، إن لم يتم الاستعداد والتحضير المسبق والمحكم.
فالمنزل وسط عائلي مخصص لجميع أفراد الأسرة، ولكن أيضاً هو مجال منظم بفترات زمنية ومكانية لفئة دون أخرى. فعند تناول الوجبات مثلاً، فالفضاء مستغل من طرف الجميع. لكن بعد تناول الفطور يغادر الزوج الوسط العائلي متوجهاً لميدان العمل لمدة ثماني ساعات في أيام العمل. وباستمرار العملية لمدة عقود، فإن هذا الاعتياد، يجعل من المنزل فضاءً رحباً للزوجة (إن كانت ربة بيت)، ترتبه كيف تشاء، ولا ينافسها إلا من يسمح له بذلك، كالأولاد بعد العودة من المدرسة أو الزوج بعد العودة من العمل.
ومع وضعية تقاعد الزوج، فإن هذا الأخير، يضطر للمكوث في المنزل بعد تناول الفطور. وهنا تبدأ المعاناة. فمن جهة، يجد الزوج نفسه في مكان غير معتاد التواجد فيه من قبل، فيبحث عما يشتغل به، كمشاهدة التلفاز وغير ذلك. ومن جهة ثانية، نجد الزوجة في ضائقة من أمرها بتواجد عنصر لم تألف حضوره المطول. والأمر قد يمر دون مشاكل في الأيام الأولى، وكأننا في عطلة آخر الأسبوع أو في العطلة السنوية. لكن بعد مرور شهور، فالصبر قد ينفذ، وتبدأ عملية تراكم المشاكل رغم صغر شأنها، وتنشب خلافات لأسباب تافهة. وإن لم يتم تدارك الأمر في حينه بالوعي بالوضعية، والبحث عن الحلول المناسبة، فإن الأمر يتعقد، وتتفاقم حدة عدم التفاهم إلى درجة محاولة البحث عن البدائل: البديل في المكان والزمان وحتى في الأشخاص.
فوضعك الجديد في المنزل بسبب التقاعد، شبيه بوضعك عند بداية الحياة المهنية. ونفس المشهد يتكرر. فهل تتصادم مع المنافسين لك ؟ أم تنسحب وتترك المجال للآخرين ؟ أم تتمسكن حتى تتأقلم، وتبسط وجهة نظرك تدريجياً ؟
وهنا يظهر جلياً أهمية التحضير للمرحلة، وأهمية استباق الأحداث، والتمكن من مجرياتها قبل أن تضطر إلى التكيف معها وتتصارع من أجل تدارك المواقف الصعبة.
والسؤال، كيف يتم التحضير ؟
- يتم نفسياً، وذلك بالتحدث حول الموضوع مع كل الفرقاء: زوجة، أولاد، أفراد العائلة، أصدقاء. ثم إشراك الجميع في الترتيبات اللازمة لحسن التحضير واستقبال المرحلة الجديدة.
- مادياً بتخصيص مكان محدد لك تركن إليه، وكأنك في العمل، وتكون فيه بعيداً عن المنزل، خاصة في وقت الشغل المنزلي، والتحضير لوجبة الغذاء. وما ينتج عن ذلك من إعادة ترتيب الأثاث، وانبعاث للروائح الأولية للطبخ، وما إلى ذالك مما لم تعتاده وتألفه من قبل.
- التحضير الذهني لما تستوجب الوضعية من تصرفات حسب الأوضاع بالمنزل أو خارجه.
- المرور بمرحلة انتقالية، تجعلك تتخلص من روابطك مع الحياة المهنية. وتستبق الأحداث والمواقف تحسباً لما يستقبل من حياة الفراغ والحرية. ويستحسن، الاستعانة بتجارب الأصدقاء الذين مروا بنفس المرحلة.
الأمثلة الواقعية لتصرفات بعض المتقاعدين:
* الحالة الأولى، (سنة قبل التقاعد): اتخاذ بيت بالسطح، يخلو فيه بنفسه بعد صلاة الفجر. فيقرأ القرآن ويتدبره ويحفظ ما تيسر منه. وتستمر العملية في حرية واستقلال، بعيداً عن إزعاج باقي أفراد الأسرة حتى طلوع الشمس. فيستأنف العمل بالمنزل مع باقي أفراد العائلة. وقد يعود إليه في أي وقت شاء من النهار أو الليل.
* الحالة الثانية، (على بعد ثلاث سنوات): تجهيز مكتب بالطابق السفلي من المنزل. ومع التقاعد، أصبح للمتقاعد ملجأ يخلو فيه بنفسه منشغلاً بالقراءة والدراسة، وممتعاً لأهله بترك المجال كما كان يفعل من قبل.
* الحالة الثالثة، (التحضير منذ السنوات الأولى من العمل المهني): فبسبب سوء تفاهم مع المسئولين، أحس الموظف بعدم الاستقرار في الحياة المهنية، فخطرت بباله فكرة البداية في تحضير ظروف الاستقلال المادي والمعيشي. وكانت النتيجة مع مرور الزمن، هي الحصول على مزرعة للفواكه بالأطلس المتوسط. والآن أصبح المكان، شغله الشاغل، وهوايته المفضلة، وفرصة للتواصل مع عالمي الفلاحة والتجارة.
* الحالة الرابعة: التحضير لمسكن للاستقرار بالمدينة، ومسكن آخر للاستراحة في البادية. فمكن ذلك من التناوب في الحياة بين مميزات ظروف العيش بالمدينة ومتعة الحياة بالبادية.
* الحالة الخامسة: تحويل مرآب السيارة إلى ورشة لممارسة هواية الرسم والصباغة.
* الحالة السادسة: اتخاذ زاوية محددة من مقهى مفضل، لممارسة هواية القراءة، والكتابة وغير ذلك.
* الحالة السابعة: تجهيز المنزل بغرفتين للنوم، اتفق الزوجان على الاحترام المتبادل بينهما، ووسعا من مساحة الفضاء المخصص للخلوة الشخصية المخصصة لكل منهما في الليل والنهار، نوماً، واسترخاءً، وتأملاً، وقراءة، أو تهجداً... كما مكن الوضع الجديد من تفادي الإزعاج المتبادل، خاصة إذا دخل عنصري "الشخير" و/أو "الذهاب المستمر للمرحاض ليلاً" في عادة أحد الزوجين أو لكلاهما.
* الحالة الثامنة: (الحالة الشخصية) وعلى بعد 10 سنوات من التقاعد، هيأت مسكناً للاستقرار بالمدينة المفضلة لدي وللزوجة والأولاد ولباقي أفراد العائلة. وإلى جانب ذلك، هيأت شقة مخصصة لمكتب ومكتبة، أركن إليه متى شئت، للخلوة، والاسترخاء والقراءة والبحث، ولمشاهدة وتسجيل الأشرطة.
والحالات المذكورة، هي قصد الاستئناس والعبرة، ولكل منا، الحرية في اختيار الأسلوب المناسب لأحواله الشخصية، والمادية والنفسية، والزوجية والعائلية.