تعد مناسك الحج والعمرة
أكبر فرصة للخروج الحقيقي الصحيح والصحي من الإطار اليومي المعتاد، فنية الحج أو
العمرة، والتجرد من المخيط والمحيط لباساً وتفكيراً، والتلبية إلى أن تبلغ الكعبة فتستقبلها
وتدعو بما تيسر وتتمتع بالنظر إليها، ويأت بعد ذلك الطواف والسعي والتقصير أو الحلق، وتأت النفرة
لمنى وعرفاة، والمبيت بمنى، ورمي الجمرات، والحلق أو التقصير ثم طواف الإفاضة
والسعي، كلها مناسك تشدك للحاضر وتخلصك من قبضة البرمجة السابقة، وتعوضك ببرمجة
جديدة هي أفضل وأفيد من سابقتها. وكون المناسك بمثابة تمارين وأعمال يتكرر الإتيان
بها لمدة تقارب 21 يوم، فممارستها تنتقل من مرحلة العبادة الإرادية الواعية إلى
مرحلة التصرفات الاعتيادية التي يتم تنفيذها تلقائيا ولاشعورياً.
فمن قبل، كان المؤمن ينتظر فرصة الفوز بالقرعة، فكان تركيزه ينصب على حدث اجتياز هذه العقبة. ويا لها من عقبة كؤود حرمت العديد من المسلمين المتوقين إلى أداء فريضة الحج ولعدة مرات، بحيث يتعين التسجيل في كل عام في لوائح المرشحين، ثم انتظار الحظ. ولقد فرض إجراء القرعة بسبب تكاثر الطلبات من جهة - وهذا مؤشر خير في درجة وعي الأمة الإسلامية - وهو ناتج كذلك عن محدودية القدرة الاستيعابية للأماكن المخصصة لأداء مناسك الحج من جهة ثانية. وكانت طريقة الانتقاء بالقرعة للحجاج مطبقة من قبل، في بعض الدول التي يتجاوز عدد الطلبات فيها عدد الحصة المخصصة لها. والأمر يتعلق ببعض الدول كمصر أول الأمر ثم المغرب وباقي الدول الإسلامية حالياً. وقد قامت المملكة العربية السعودية بأشغال توسعة ساحة الطواف وتوسعة الحرم المكي بالإضافة إلى أشغال تهيئة مكة ككل، بما في ذلك حفر الأنفاق وتعبيد الطرق وإعادة تهيئة البنايات المجاورة للحرم المكي. وقبل اجتياز عقبة القرعة كان المسلم يكثر من دعاء التيسير وطلب نيل حظوة الاختيار، وأصبح مجرد اختيار اسمك في القرعة يعتبر بمثابة فوز في حد ذاته. فتدخل الفرحة على القلوب وتتقاطر التهاني والتبريكات ويبدأ مسلسل آخر من الترتيبات والاستعدادات. وتبدأ مرحلة الانتظار وقد تستغرق ما يفوق السنة. وهي فترة ينشغل فيها المرشح للحج بالدعاء بتيسير الأمر وبلوغ الكعبة وزيارة المسجد النبوي الشريف كقوله " اللهم بلغنا الكعبة والوقوف بعرفة، وزيارة مسجد نبيك محمد صلى الله عليه وسلم". إنها بحق حقبة استعداد وجداني ونفسي وروحي، وتزود بالمعرفة والوسائل المادية وبالخصوص ما يرتبط منها بالتقوى. حتى إذا حان وقت الرحيل ومغادرة الأهل والبلد، تنثاب الحاج شحنة من مشاعر ممزوجة بفرحة السفر ولوعة الفراق. وهذه محطة أخرى ترسم آثارها على الحاج وعلى أهله. وهي بداية الانسلاخ من الوسط الذي ألف المؤمن العيش به، وبداية عملية التجرد من الروابط المادية والنفسية المعتادة، وهو خروج من الإطار الذي كان مبرمجاً على التعامل معه.
وبمحاذاة الميقات، يحرم الحاج أو المعتمر، وينوي الحج أو العمرة قائلاً: "اللهم لبيك عمرة إلى الحج" ذلك لأن المغاربة يحجون بالتمتع. ثم يجهر بالتلبية بالنسبة للرجال وبما تسمع به نفسها وجارتها بالنسبة للنساء، تلبية مسترسلة حتى الحضور بالحرم المكي ومشاهدة الكعبة، قائلين جماعة : " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك ". وهى تلبية تنطق بصوت مرتفع ودون كلل أو ملل وفي كل وقت وحين وكيف ما كان الحال. ويمكن قطعها مؤقتاً بغرض الوضوء أو الصلاة، أو في ما يعتبر في حكمهما. وقطعها لمدة طويلة تستوجب الهدي. وهذا هو عمل الحاج أو المعتمر في هذه المرحلة، ولا شغل له غير ذلك، قولاً وفعلاً، وهي عبارات تردد حتى تبح الحناجر، ولن تمنعك من التلبية، عملية الهبوط من الطائرة ولا إجراءات التسجيل بالمطار أو الركوب بالحافلات. انشغال يقطع الطريق على وساوس الشيطان، ويربط الحاج بالحاضر ولا يترك للفكر مجالاً للانفلات إلى أحداث الماضي ولا الاهتمام بتوقعات المستقبل. إنها بحق ظروف تمكن من استحضار الشعور باللحظة الآنية، وما أحوجنا لمثل هذه الأوقات الاستثنائية حيث يحضر الخشوع ولو بدون صلاة، ويتركز فكرك على استقبال مكة المكرمة، ثم الكعبة المشرفة، وكلها محطات تغرق مشاعرك بالشوق والمحبة والألفة بحيث تتكون لديك فكرة أن الهدف من خلق الإنسان هو العبادة ولا شيء غير ذلك. كما يتبين أن الانشغالات بالأولاد والمال إنما هي مشوشات على الرسالة الحقيقية من الحياة.
في هذه اللحظة بالذات، تتوالد لديك مجموعة لا متناهية من الأفكار والإحساسات التي وإن عبرت عليها بمختلف الجمل والعبارات، فإن معناها واحد تجمله الآية الكريمة " وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون " وان ما دون ذلك فهو لهو ولعب ومتاع الغرور كما عبرت عنه الآيات القرآنية الكريمة.
وفي مثل هذه اللحظات تنهال عليك الحقائق، وتنجلي لك البصائر، وتصبح لديك القناعة أن ما أنت فيه الآن هو عين العبادة ومخ التعبد لله الواحد الأحد. كما تنقشع لك حقيقة أن من لم ينعم بمثل هذه اللحظات، فهو مغبون ومغفل، فلا قيمة لما يكتسبه ولا معنى لما يتخبط فيه من كد وكدح.
كما يستنتج من هذه الجولة التأملية أن أحسن ما حققه الإنسان في الحياة، منذ أن ولد إلى الآن، هو تواجده في هذه الظروف الروحانية والتمتع بهذه الآيات الربانية. فما أحسنها من نعمة لا أحرم الله منها أي مسلم يشهد ألا إلاه إلا الله وأن محمد رسول الله.
ويعود الحاج وكأنه ولد من جديد، ويقرن اسمه بلفظ " الحاج " تشريفا وتكليفاً برسالة الإتقان والإحسان والإصلاح بما استطاع لنفسه فيما تبقى من أركان الإسلام، ولغيره في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حدود ما تيسر لديه من قدرة واستطاعة.
فمن قبل، كان المؤمن ينتظر فرصة الفوز بالقرعة، فكان تركيزه ينصب على حدث اجتياز هذه العقبة. ويا لها من عقبة كؤود حرمت العديد من المسلمين المتوقين إلى أداء فريضة الحج ولعدة مرات، بحيث يتعين التسجيل في كل عام في لوائح المرشحين، ثم انتظار الحظ. ولقد فرض إجراء القرعة بسبب تكاثر الطلبات من جهة - وهذا مؤشر خير في درجة وعي الأمة الإسلامية - وهو ناتج كذلك عن محدودية القدرة الاستيعابية للأماكن المخصصة لأداء مناسك الحج من جهة ثانية. وكانت طريقة الانتقاء بالقرعة للحجاج مطبقة من قبل، في بعض الدول التي يتجاوز عدد الطلبات فيها عدد الحصة المخصصة لها. والأمر يتعلق ببعض الدول كمصر أول الأمر ثم المغرب وباقي الدول الإسلامية حالياً. وقد قامت المملكة العربية السعودية بأشغال توسعة ساحة الطواف وتوسعة الحرم المكي بالإضافة إلى أشغال تهيئة مكة ككل، بما في ذلك حفر الأنفاق وتعبيد الطرق وإعادة تهيئة البنايات المجاورة للحرم المكي. وقبل اجتياز عقبة القرعة كان المسلم يكثر من دعاء التيسير وطلب نيل حظوة الاختيار، وأصبح مجرد اختيار اسمك في القرعة يعتبر بمثابة فوز في حد ذاته. فتدخل الفرحة على القلوب وتتقاطر التهاني والتبريكات ويبدأ مسلسل آخر من الترتيبات والاستعدادات. وتبدأ مرحلة الانتظار وقد تستغرق ما يفوق السنة. وهي فترة ينشغل فيها المرشح للحج بالدعاء بتيسير الأمر وبلوغ الكعبة وزيارة المسجد النبوي الشريف كقوله " اللهم بلغنا الكعبة والوقوف بعرفة، وزيارة مسجد نبيك محمد صلى الله عليه وسلم". إنها بحق حقبة استعداد وجداني ونفسي وروحي، وتزود بالمعرفة والوسائل المادية وبالخصوص ما يرتبط منها بالتقوى. حتى إذا حان وقت الرحيل ومغادرة الأهل والبلد، تنثاب الحاج شحنة من مشاعر ممزوجة بفرحة السفر ولوعة الفراق. وهذه محطة أخرى ترسم آثارها على الحاج وعلى أهله. وهي بداية الانسلاخ من الوسط الذي ألف المؤمن العيش به، وبداية عملية التجرد من الروابط المادية والنفسية المعتادة، وهو خروج من الإطار الذي كان مبرمجاً على التعامل معه.
وبمحاذاة الميقات، يحرم الحاج أو المعتمر، وينوي الحج أو العمرة قائلاً: "اللهم لبيك عمرة إلى الحج" ذلك لأن المغاربة يحجون بالتمتع. ثم يجهر بالتلبية بالنسبة للرجال وبما تسمع به نفسها وجارتها بالنسبة للنساء، تلبية مسترسلة حتى الحضور بالحرم المكي ومشاهدة الكعبة، قائلين جماعة : " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك ". وهى تلبية تنطق بصوت مرتفع ودون كلل أو ملل وفي كل وقت وحين وكيف ما كان الحال. ويمكن قطعها مؤقتاً بغرض الوضوء أو الصلاة، أو في ما يعتبر في حكمهما. وقطعها لمدة طويلة تستوجب الهدي. وهذا هو عمل الحاج أو المعتمر في هذه المرحلة، ولا شغل له غير ذلك، قولاً وفعلاً، وهي عبارات تردد حتى تبح الحناجر، ولن تمنعك من التلبية، عملية الهبوط من الطائرة ولا إجراءات التسجيل بالمطار أو الركوب بالحافلات. انشغال يقطع الطريق على وساوس الشيطان، ويربط الحاج بالحاضر ولا يترك للفكر مجالاً للانفلات إلى أحداث الماضي ولا الاهتمام بتوقعات المستقبل. إنها بحق ظروف تمكن من استحضار الشعور باللحظة الآنية، وما أحوجنا لمثل هذه الأوقات الاستثنائية حيث يحضر الخشوع ولو بدون صلاة، ويتركز فكرك على استقبال مكة المكرمة، ثم الكعبة المشرفة، وكلها محطات تغرق مشاعرك بالشوق والمحبة والألفة بحيث تتكون لديك فكرة أن الهدف من خلق الإنسان هو العبادة ولا شيء غير ذلك. كما يتبين أن الانشغالات بالأولاد والمال إنما هي مشوشات على الرسالة الحقيقية من الحياة.
في هذه اللحظة بالذات، تتوالد لديك مجموعة لا متناهية من الأفكار والإحساسات التي وإن عبرت عليها بمختلف الجمل والعبارات، فإن معناها واحد تجمله الآية الكريمة " وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون " وان ما دون ذلك فهو لهو ولعب ومتاع الغرور كما عبرت عنه الآيات القرآنية الكريمة.
وفي مثل هذه اللحظات تنهال عليك الحقائق، وتنجلي لك البصائر، وتصبح لديك القناعة أن ما أنت فيه الآن هو عين العبادة ومخ التعبد لله الواحد الأحد. كما تنقشع لك حقيقة أن من لم ينعم بمثل هذه اللحظات، فهو مغبون ومغفل، فلا قيمة لما يكتسبه ولا معنى لما يتخبط فيه من كد وكدح.
كما يستنتج من هذه الجولة التأملية أن أحسن ما حققه الإنسان في الحياة، منذ أن ولد إلى الآن، هو تواجده في هذه الظروف الروحانية والتمتع بهذه الآيات الربانية. فما أحسنها من نعمة لا أحرم الله منها أي مسلم يشهد ألا إلاه إلا الله وأن محمد رسول الله.
ويعود الحاج وكأنه ولد من جديد، ويقرن اسمه بلفظ " الحاج " تشريفا وتكليفاً برسالة الإتقان والإحسان والإصلاح بما استطاع لنفسه فيما تبقى من أركان الإسلام، ولغيره في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حدود ما تيسر لديه من قدرة واستطاعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق