إنه فضاء رومانسي جذاب، يقع على بعد ثلاثة كيلومترات من مدينة إفران في اتجاه الموقع الأصطيافي برأس الماء. والفضاء عبارة عن هضاب جبلية، تكسوها غابات الأرز، وتتخللها منبطحات ترسبت فيها الرمال، وترسو بها مياه الجبال المجاورة
. وبحلول موسم الصيف، وجراء فترات الجفاف الهيكلي الذي عرفه المغرب في الأزمنة الحالية، تبخر الماء وبقي التراب المنتقى بفعل عوامل التعرية وأصبح يكون مساحات أسطوانية الشكل تنبت فيه أعشاب، تخضر بها الطبيعة ربيعاً، فتسر بها أنظار زوار الحواضر وتقضمها ماشية البدو الرحل.
وقد اهتدى بعض ذوي النيات الحسنة أمثال عبد القادر
موعزيز (بطل مغربي في العدو الريفي ومن سكان المدينة) الذي صنع من هذا المنبسط
حلبة طبيعية لإجراء تدريبات للعدائين الذين يتخذون مدينة إفران قبلة لهم، وملاذاً
آمناً لتربصاتهم، وهو فضاء رياضي عمومي ترتده كل شرائح المجتمع: فمنهم الشباب الذين
يفرغون ما فضل من طاقاتهم الحيوية، ومنهم الشيوخ الذين يبحثون عن التوازن الروحي
والجسدي لحالتهم الفكرية والصحية.
ولهذا الفضاء مزايا متعددة وإمكانات متنوعة، أذكر منها:
جوه الصافي ونقاء هوائه وطبيعته العذراء وبعده عن كل مظاهر التلوث الحضاري. وله
تصميم هندسي رباني ساحر ومتجانس، تمنحها جمالية تلقائية جذابة وأخاذة، وهذه الباقة
من المميزات، تفرض على الزائر تعاملا خاصا بها، فمنهم من يعبر الفضاء ممتطياً
سيارته بهدوء وطمأنينة، ومنهم من يتوقف بإحدى جنباتة ليأخذ حماماً من الاسترخاء
والاستجمام، ومنهم من يفضل المشي سيراً على الأقدام بخطى تضفي على المشهد وقارا
وسكينة، أو بحركات رياضية محترفة وهاوية مؤنسة.
فما أحوجنا لمثل هذا الفضاء الطبيعي الاستشفائي،
فنتزود بالطاقات اللازمة لتقوية النفس والبدن، وزاداً نجابه به صخب المدنية
والحضارة المتوحشة، ويضع عن كاهلنا ما تحملناه من متاعب وأزمات بسبب لعبة التدافع
في الحياة، ولا أرى لهذا المشهد مثيلاً سوى ما يعيشه المعتمر أو الحاج خلال مقامه
بالأماكن المقدسة.
فما أحوجنا أيضاً لمثل هذه الوقفات كلما ادلهمت الخطوب
واختلت الموازين، فهي الترياق، والحل والحكم، إنه فضاء أثث بكيفية ترتفع فيه
معنويات النفس المتواجدة فيه عالياً، فتسمو في ملكوت الخيال والتأمل، حيث لا طين
ولا روابط، ملكوت يحرر النفس من عقالها فتسبح في عالم بدون وقت ولا مكان، فتعبر
الماضي وتسبر أغوار المستقبل، فتصدق الرؤى وتتحقق الأحلام، إنها حقاً حرية تطلق
العنان للفكر السليم وتفسح المجال من خلا التدبر والتأمل لمواهب لابتكار والإبداع.
فلا غرابة أن تصبح المدينة التي تحتضن هذا الفضاء وجهة
للفنانين والمبدعين والأبطال المرموقين الوافدين إليها من كل حدب وصوب، ومحجاً للرومانسيين
الولعين بجمال الطبيعة وكمال رسمها وروعة تشكيلها، وهي أيضاً قبلة وملاذاً لضحايا
الحضارة المتوحشة ومرضى العولمة الكاسحة.
مدينة إفران : "المدينة الحديقة"،
هي جنات فوق الأرض،
تغطيها الأشجار وتجري من تختها الأنهار،
ماؤها عذب زلال،
وجوها معتدل نقي،
وسكانها مسالمون،
تشعر وأنت فيها بالأمن والطمأنينة والأمان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق